في حديث الإيمان عندما سأل جبريل عليه السلام محمد صلى الله عليه وسلم :
ما الإيمان ؟ ما الإحسان ؟ متي الساعة ؟ فالإيمان قال له " أن تؤمن بالله وملائكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره و شره " . "الايمان بالله" : الايمان في اللغة :
يقول كثير من الناس انه التصديق ، فصدقت وآمنت معناهما لغة واحد ، وهذا القول
لا يصح بل الإيمان في اللغة الإقرار بالشيْ عن تصديق به بدليل انك تقول
آمنت بكذا وأقررت بكذا وصدقت فلانا ولا تقول آمنت فلانا ؛
اذا فالإيمان يتضمن معنى زائدا على مجرد التصديق وهو الاعتراف المستلزم للأخبار والاذعان للأحكام ،
هذا الإيمان .. اما مجرد ان تؤمن بأن الله موجود فهذا ليس بإيمان حتى يكون هذا
إيمان مستلزما للقبول في الأخبار والإذعان في الأحكام ، وإلا ؛ فليس ايمانا . والإيمان
بالله يتطلب اربعة امور : 1- الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى 2- الإيمان بربوبيته ،
أي الانفراد بالربوبية 3 الإيمان بانفراده بالألوهية . 4- الإيمان باسمائه وصفاته ..
لا يمكن ان يتحقق الإيمان إلا بذلك .. فمن يؤمن بوجود الله ؛ فليس بمؤمن ، ومن آمن
بوجود الله لا بانفراده بالربوبية فليس بمؤمن ، ومن آمن بالله وانفراده بالربوبية
لا بالألوهية فليس بمؤمن ، ومن آمن بالله وانفراده بالربوبية وبالألوهية لكن لم
يؤمن بصفاته فليس بمؤمن وان كان الأخير هناك من يسلب عنه الإيمان بالكلية وفيه
من يسلب عنه كمال الإيمان . الإيمان بوجوده : اذا قال قائل : ما الدليل على وجود
الله عز وجل ؟ قلنا : الدليل على وجود الله العقل ، والحس ،والشرع ؛ ثلاثة كلها
تدل على وجود الله ، وان شئت فزد الفطرة ، فتكون الدلائل على وجود الله اربعة
العقل والحس والفطرة والشرع ..وأخّرنا الشرع لا لانه لا يستحق التقديم لكن لاننا
نخاطب من لا يؤمن بالشرع . - فأما دلالة العقل فنقول : هل وجود هذه الكائنات
بنفسها او وجدت هكذا صدفة ؟ فإن قلت : وجدت بنفسها ؛ فمستحيل عقلا ما دامت هي
معدومة ؛ كيف تكون موجودة وهي معدومة ؟ ! المعدوم ليس بشيء حتى يوجد ، اذا
لا يمكن ان توجد نفسها بنفسها وإن قلت : وجدت صدفة ، فنقول : هذا يستحيل ايضا ؛
فأنت ايها الجاحد ؛ هل ما انتج من الطائرات والصواريخ والسيارات والآلات بأنواعها ؛
هل وجدت صدفة ؟! فيقول : لا يمكن ان يكون . فكذلك هذه الأطيار والجبال والشمس
والقمر والنجوم والشجر والجمر والرمال والبحار وغير ذلك لا يمكن ان توجد صدفة ابدا
. ويقال ان طائفة من السمنية جاؤوا الى ابي حنيفة رحمه الله ، وهم من اهل الهند
، فناظروه في اثبات الخالق عز وجل ، وكان ابو حنيفة من اذكي العلماء فوعدهم
أن يأتوا بعد يوم او يومين ، فجاؤوا ؛ قالوا : ماذا قلت ؟ قال : انا افكر
في سفينة
مملوءة من البضائع والأرزاق جاءت تشق عباب الماء حتي ارست في الميناء ونزلت
الحمولة وذهبت ، وليس فيها قائد ولا حمالون . قالوا : تفكر بهذا ؟! قال : نعم .
قالوا : اذاً ليس لك عقل! هل يعقل ان سفينة تأتي بدون قائد وتنزل وتنصرف ؟!
هذا ليس معقول ! قال: كيف لا تعقلون هذا ، وتعقلون ان هذه السماوات والشمس
والقمر والنجوم والجبال والشجروالدواب والناس كلها بدون صانع ؟ فعرفوا ان الرجل
خاطبهم بعقولهم ، وعجزوا عن جوابه هذا او معناه. وقيل لإعرابي من البادية :
بم عرفت ربك ؟ فقال : الأثر يدل على المسير ، والبعرة تدل على البعير ؛ فسماء
ذات ابراج ، وارض ذات فجاج ، وبحار ذات امواج ؛ ألا تدل على السميع البصير ؟
ولهذا قال الله عز وجل "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور : 35].
فحينئذ يكون العقل دالا دلالة قطعية على وجود الله سبحانه وتعالى .
(من كتاب شرح العقيدة الطحاوية لإبن العثيمين )