صلاة العيد
من
فضل الله - تبارك وتعالى - على هذه الأمة أن يُتْبِعَ كل عبادة بعبادة
أخرى, فقد شرع الله - تبارك وتعالى - صيام شهر رمضان المبارك, هذا الشهر
الذي يتلهف كل مسلم لقدومه داعياً ربه - تبارك وتعالى - أن يبلِّغه إياه,
فإذا حلَّ به صام أيامه, وقام ليله راكعاً ساجداً باكياً, تالياً لكتاب ربه
- جل جلاله -, وإذا ما أزف رحيله تراه يقدم صدقة الفطر، ثم يأتي العيد
بأفراحه ومباهجه وعباداته؛ ليفرح المسلم، ويشكر ربّه - تبارك وتعالى - على
نعمة الصيام والقيام كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله
عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال
الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة،
وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله
فليقل: إني امرؤ صائم, والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله
من ريح المسك, للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح
بصومه)).
والفرح
غاية مهمة ينشدها الإنسان ليحقق سعادته، فيجهد لتوفير أسبابها، وتهيئة
أجوائها، بل قد يصنع الإنسان في سبيل ذلك ما يضر بنفسه، أو قد يفرح بما لا
يحقق لها سعادة ولا سروراً، فأما الفرح الذي يهيئه الله - تعالى - للمسلمين
ويشرعه لهم فهو الفرح الكامل، والسرور التام، فإن أتمَّ الفرح وأحسن
السرور أن يفرح العبد بما شرع له ربه - تبارك وتعالى - من عبادات، وأمره به
من طاعات، ورتب على ذلك من ثواب وحسنات قال الله - تبارك وتعالى -: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.
وفي
العيد ترى الناس يجتمعون صبيحة أول يوم من شوال ليؤدون صلاة العيد, إذ هي
واجبة في أصح قولي العلماء وذلك لأن الجمعة تسقط بها إذا اجتمعتا في يوم
واحد، وهي ركعتان، ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال، ولكن الأحسن تأخيرها
إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح, وتسن الجماعة فيها، وتصح لو صلاها الشخص
منفردًا ركعتين كركعتي سنة الفجر, ويسن في أول الركعة الأولى بعد تكبيرة
الإحرام سبع تكبيرات، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات بعد تكبيرة القيام،
ويسن أن يخطب الإمام خطبتين بعد الصلاة لحديث جابر بن عبد الله - رضي الله
عنهما - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الفطر فبدأ بالصلاة
قبل الخطبة", ويسن التبكير بالخروج لصلاة العيد
من بعد صلاة الصبح، إلا الخطيب فيتأخر إلى وقت الصلاة، والمشي أفضل من
الركوب، ومن كان له عذر فلا بأس بركوبه، ويسن الاغتسال، والتزيّن بلبس
الثياب الجميلة، والتطيب - وهذا للرجال -، أما النساء فلا يجوز لهن الخروج
متطيبات ومتزينات.
وفي العيد يستشعر المؤمن
أن يحاسب نفسه على كل عمل أداه هل قام به كما ينبغي، وهل اجتهد فيه، وتأمل
ما قاله ابن رجب - رحمه الله - في هذا المعنى: "كان السلف الصالح يجتهدون
في إتمام العمل، وإكماله، وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من
رده، وهؤلاء: {الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}, وروي عن علي - رضي الله عنه - قال: كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله - عز وجل - يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}, وعن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}،
وقال ابن دينار: الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل، وقال عطاء
السلمي: الحذر الاتقاء على العمل أن لا يكون لله، وقال عبد العزيز بن أبي
رواد: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل
منهم أم لا، قال بعض السلف: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان
ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، وخرج عمر بن عبد العزيز - رحمه
الله - في يوم عيد فطر فقال في خطبته: "أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين
يوماً، وقمتم ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم"،
وكان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يوم فرح
وسرور فيقول: صدقتم ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً فلا أدري
أيقبله مني أم لا؟ ورأى وهب بن الورد قوماً يضحكون في يوم عيد، فقال: إن
كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يتقبل منهم
صيامهم فما هذا فعل الخائفين، وعن الحسن قال: إن الله جعل شهر رمضان
مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف
آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون،
ويخسر فيه المبطلون.
لعلك غضبان وقلبي غافل سلام على الدارين إن كنت راضياً
وروي
عن علي - رضي الله عنه - أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت
شعري من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه، وعن ابن مسعود أنه
كان يقول: من هذا المقبول منا فنهنيه، ومن هذا المحروم منا فنعزيه، أيها
المقبول هنيئا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك
ليت شعري من فيه يقبل منا فيهنا يا خيبة المـــردود
من تولى عنه بغير قبــول أرغم الله أنفه بخزي شديد
ماذا
فات من فاته خير رمضان، وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان، كم بين من حظه
فيه القبول والغفران ومن كان حظه فيه الخيبة والخسران، رب قائم حظه من
قيامه السهر، وصائم حظه من صيامه الجوع والعطش".
وعلى
الإنسان أن يتذكر عند اجتماع المسلمين لأداء صلاة العيد يوم الجمع في
عرصات القيامة, يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم,
فيتخلص من كل داء ملازم له, ومن المعاصي والمنكرات, والحقد والحسد والبغض
لإخوانه المسلمين, وأن يعلم أنه سيقف بين يدي ربه - تبارك وتعالى - فيسأله
عن ذلك كله فكيف يكون الجواب
غدا توفى النفوس ما كسبت ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا
نسأل
الله - تبارك وتعالى - التوفيق والسداد, ونسأله أن يعيننا على طاعته
ورضاه, وأن يتقبل منا, ويعفو عنا ويجنبنا المعاصي والمنكرات, ونسأله
الإخلاص في القول والعمل {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا
يَصِفُونَ *وسلام على المرسلين* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
الفرحة بقدوم العيد
أخي
الكريم: ما أروع هذا الدين الإسلامي الرباني، إنه شامل لكل ما يسعد هذه
النفس البشرية، وهو يعيش معها بميولاتها وأحاسيسها، بحزنها وفرحها، بغضبها
ورضاها؛ ولنتأمل هنا:
فبعد اجتهاد المسلم في
عبادة ربه في شهر رمضان، وبعد شدة الصوم الذي فيه مفارقة لملاذ النفوس،
وطول القيام والتهجد الذي فيه التجافي عن المضاجع، والصبر عن لذيذ الطعام
والشراب، وبعد إجهاد النفس في حفظ ومراجعة وتلاوة القرآن، نجد ديننا الحنيف
يتحفنا بهذا العيد المبارك، ويطرب أنفسنا به، ويريح علينا فيه.
لقد
لبست الأيام ثوبها القشيب، وها هي ترفل فيه فَرِحة مسرورة، لقد ولد العيد
من جديد، إنه يوم لا كالأيام، فهو زهرة الأيام، وبسمة الأعوام، وطرفة
الزمان، وحبيب الأحباب والخلان.
"يوم السلام، والبشر، والضحك، والوفاء، والإخاء، وقول الإنسان للإنسان: وأنتم بخير.
يوم الثياب الجديدة على الكل إشعاراً لهم بأنَّ الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم.
يوم الزينة التي لا يراد منها إلا إظهار أثرها على النفس ليكون الناس جميعاً في يوم حب.
يوم
العيد؛ يوم تقديم الحلوى إلى كلّ فم لتحلو الكلمات فيه، يوم تعمُّ فيه
الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة.
ذلك
اليوم الذي ينظر فيه الإنسان إلى نفسه نظرة تلمح السعادة، وإلى أهله نظرة
تبصر الإعزاز، وإلى داره نظرة تدرك الجمال، وإلى الناس نظرة ترى الصداقة.
ومن كلّ هذه النظرات تستوي له النظرة الجميلة إلى الحياة والعالم؛ فتبتهج نفسه بالعالم والحياة، وما أسماها.
نظرة تكشف للإنسان أنَّ الكل جماله في الكل".
فيا
أيام العيد: "أيتها الأيام السعيدة الهاربة من عمل الدنيا ببراءتها من
الشقاء، أيتها الأيام الصغيرة المتلألئة في ظلام الزمن بأفراح السعادة،
أيتها الأيام الذاهلة عن معاني الآلام، أنتِ هكذا أبداً، وهكذا أبداً
تعودين".
"أيها الناس: انطلقوا في الدنيا انطلاق الأطفال يوجدون حقيقتهم البريئة الضاحكة، لا كما تصنعون انطلاق الوحش يوجد حقيقته المفترسة.
أحرار حرية نشاط الكون ينبعث كالفوضى، ولكن في أدقّ النواميس.
وتحتدم بينهم المعارك، ولكن لا تتحطَّم فيها إلا اللعب.
لا يفرح أطفال الدار كفرحهم بطفل يولد؛ فهم يستقبلونه كأنه محتاج إلى عقولهم الصغيرة.
ويملأهم الشعور بالفرح الحقيقي الكامن في سر الخلق لقربهم من هذا السر.
فيا أسفاً علينا نحن الكبار، ما أبعدنا عن سر الخلق بآثام العمر!
وما أبعدنا عن سر العالم بهذه الشهوات الكافرة التي لا تؤمن إلا بالمادة!
يا أسفاً علينا نحن الكبار! ما أبعدنا عن حقيقة الفرح!
تكاد آثامنا - والله - تجعل لنا في كل فرحة خجلة.
أيتها الرياض المنوّرة بأزهارها..
أيتها الطيور المغرّدة بألحانها..
أيتها الأشجار المصفَّقة بأغصانها..
أيتها النجوم المتلألئة بالنور الدائم..
أنتِ شتَّى؛ ولكنَّك جميعاً في هؤلاء الأطفال يوم العيد!"
ويا
أيها الكبار: هيا لتكن لنا فرحة أولئك الصغار بهذا العيد الجديد، فرحة لا
حقد فيها على مسلم، ولا سخرية فيها من مسلمة، لا بغض ولا كراهية، لا أثارة
ولا أنانية.
هيا أرجوكم أيها الكبار في
العيد فقط - على الأقل - استعيروا فرحة الصغار، وحاكوا بسماتهم البريئة،
ولو رجعتم قليلاً إلى الوراء، فالوراء هنا فقط هو التقدم والسبق.
اللهم توج فرحة المسلمين بعز الإسلام، واكس بهجتنا بنصر المسلمين يا رب العالمين.
آداب العيد
يوم
العيد يوم جعله الله - عز وجل - بهجة للمسلمين، وفرحة للموحدين، ينعمون به
بعدما امتنعوا في نهار رمضان عن المتع والملذات، وأحيوا ليله بالتهجد
والصلوات، فصفت نفوسهم، وزكت أرواحهم، ليأتي العيد بعدها فرصة للاستجمام
والترفيه عن النفس، وتجديد النشاط لمواصلة العمل في هذه الحياة بما يرضي
الخالق - عز وجل -.
والعيد بقدر
ما هو فرصة للراحة والتوسعة؛ فإنه عبادة يُتقرب بها إلى الله - سبحانه -؛
لهذا كانت له أعمال وآداب وسنن مستحبة، دعونا نتذاكّر بعض هذه الآداب التي
ينبغي أن يحرص عليها كل مسلم عملاً بسنة خير المرسلين:<blockquote>
1- الاغتسال قبل الخروج إلى الصلاة: فقد ثبت أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - "كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى"
رواه مالك في موطأه برقم (609). يقول الإمام النووي - رحمه الله - في
المجموع: "وهو سنة - أي الاغتسال - لكل أحد بالاتفاق سواء الرجال والنساء
والصبيان" المجموع للنووي (2/202)..
2-
أن لا يخرج في عيد الفطر إلى الصلاة حتى يأكل تمرات؛ لما رواه البخاري عن
أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات... ويأكلهن وتراً" رواه البخاري برقم
(910).قال المهلب: "الحكمة في الأكل قبل الصلاة أن لا يظن ظان لزوم الصوم
حتى يصلي العيد، فكأنه أراد سد هذه الذريعة" فتح الباري لابن حجر (3/374).، ومن لم يجد تمراً فليفطر على أي شيء مباح.
3-
التكبير يوم العيد: يقول الوليد بن مسلم: "سألت الأوزاعي ومالك بن أنس عن
إظهار التكبير في العيدين، قالا: نعم، وكان عبد الله بن عمر - رضي الله عنه
- يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام، وصح عن أبي عبد الرحمن السلمي قال:
"كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى"، قال وكيع: يعني التكبير" إرواء
الغليل (3/122).، والراجح أن التكبير يبدأ من حين الخروج من البيت إلى
المصلى، ويستمر حتى دخول الإمام لصلاة العيد.
وصفة
التكبير: قد وردت في مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن مسعود - رضي الله
عنه -: أنه كان يكبر أيام التشريق: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله،
والله أكبر الله أكبر ولله الحمد"، ورواه ابن أبي شيبة مرة أخرى بالسند
نفسه بتثليث التكبير، وروى المحاملي بسند صحيح أيضاً عن ابن مسعود: "الله
أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر وأجلّ، الله أكبر ولله الحمد"
إرواء الغليل (3/125)..
4- التهنئة:
فقد روي عن جبير بن نفير بإسناد حسن قال: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه
وسلم - إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: "تُقُبِّل منا ومنك" فتح
الباري لابن حجر (3/372). يقول ابن تيمية - رحمه الله - : "أما التهنئة يوم
العيد فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه
الأئمة كأحمد وغيره، لكن قال أحمد: أنا لا ابتدئ أحداً، فإن ابتدرني أحد
أجبته، وذلك لأن جواب التحية واجب، وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمور
بها، ولا هو أيضاً مما نُهي عنه، فمن فعله فله قدوة، ومن تركه فله قدوة،
والله أعلم" الفتاوى الكبرى (2/371).، ولا ريب أن هذه
التهنئة من مكارم الأخلاق والمظاهر الاجتماعية الحسنة بين المسلمين، وأقل
ما يقال في موضوع التهنئة أن تهنئ من هنأك بالعيد، وتسكت إن سكت كما قال
الإمام أحمد - رحمه الله -.
5-
التجمل بأحسن الملابس: فقد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما -
قال: رأى عمر حلة على رجل تباع، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "ابتع
هذه الحلة تلبسها يوم الجمعة، وإذا جاءك الوفد، فقال: ((إنما يلبس هذا من
لا خلاق له في الآخرة))، فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها بحلل؛
فأرسل إلى عمر منها بحلة..."، فإذن قد أقرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -
عمر على التجمل للعيد؛ لكنه أنكر عليه شراء هذه الجبة لأنها من حرير، وروى
البيهقي بسند صحيح "أن ابن عمر كان يلبس للعيد أحسن ثيابه" رواه البيهقي
(3/281).، وأما النساء فلا يُسنُّ لهن إذا خرجن للمصلى التجمل ولا التطيب.
6-
الذهاب إلى الصلاة من طريق والعودة من طريق آخر: فقد جاء عن جابر - رضي
الله عنه - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم عيد خالف
الطريق" رواه البخاري برقم (943).، وقد تطرق إلى الحكمة من هذه المخالفة
ابن القيم في كتابه "زاد المعاد" فقال: "كان - صلى الله عليه وسلم - يخالف
الطريق يوم العيد، فيذهب في طريق، ويرجع في آخر، فقيل: ليسلم على أهل
الطريقين، وقيل: لينال بركته الفريقان، وقيل: ليظهر شعائر الإسلام في سائر
الفجاج والطرق، وقيل: ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله، وقيام
شعائره، وقيل: لتكثر شهادة البقاع، فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى
خطوتيه ترفع درجة، والأخرى تحط خطيئة حتى يرجع إلى منزله، وقيل وهو الأصح:
إنه لذلك كله، ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها".
7- إظهار البشاشة والسرور فيه أمام الأهل والأقارب والأصدقاء، وإكثار الصدقات الموسوعة الفقهية (27/250). .
هذا
ما تيسر جمعه من الآداب المتعلقة بالعيد، ونرجو الله أن نكون قد وفقنا
لاستعراضها واستكمالها، وحتى يحلَّ علينا العيد لك منا أوفر الحب وخالص
الوداد، والله الموفق وعليه التكلان.
</blockquote>جلسة عيدية
العيد شعيرة إسلامية جليلة، ومناسبة إيمانية جميلة.
العيد موعد ولقاء تتجلى فيه معان إنسانية، واجتماعية، ونفسية.
نعم
.. العيد مظهر من مظاهر العبودية لله - تعالى - صلاة وذكر ودعاء، تصافح
وتآلف، وتألق وتعانق، ود وصفاء، وأخوّة ووفاء، لقاءات مغمورة بالشوق
والعطاء، والمحبة والنقاء
إن هذا العيد جـاء ناشـراً فينا الإخـاء
نازعاً أشجار حقـد مصلحاً مُهدي الصفاء
العيد واحة سرور، وبهجة وسط صحراء الحياة الجادة اللاهبة.
العيد واحة وارفة يستقبله المسلم بالفرح والعطاء، والابتسامة والهناء.
نعم
.. إنه عيد يغمر نفوس الصغار بالفرح والمرح، والكبار بالشكر والذكر،
والمحتاجين بالسعة واليسر، والأغنياء بالعطاء والمدّ، يُملأ القلوب بهجةً
وأنساً، والنفوس صفاء وحباً، فتُنسى فيه الأحقاد والضغائن، ويحصل الجمع بعد
الفراق، والصفاء بعد الكدر، والتصافح بعد التقابض، نعم .. عيد تتجدد فيه
أواصر الحب، ودواعي القرب، فلا تشرق شمس ذاك اليوم إلا والبسمة تعلو كل
شفة، والبهجة تغمر كل قلب .. عيد تبتسم له الدنيا، أرضها وسماؤها، شمسها
وضياؤها، فما أجمل العيد، وما أجمل داعيه.
أخي الحبيب:
ينبغي
أن تكون هذه المعاني هي السائدة في القلوب والنفوس, وينبغي لك - خاصة أنت
أيها الداعية - سواء كنت إمام مسجد، أو مسؤول الحي؛ أن تغرس مع إخوانك هذه
المعاني في نفوس أهل الحي حتى يكون أهل الحي الواحد والأحياء المجاورة
كالجسد الواحد, وبالتالي يكون أهل البلدة كلهم كالجسد الواحد,كل يشعر
بالآخر، فيتآنسون ويتزاورون، ويعطف كل على الآخر، فبالجلوس معاً والمناقشات
حول أوضاعهم يتعرف كل منهم على حال صاحبه، وتتكتل قوة لمواجهة الصعوبات،
وإحياء روح التعاون التي تفقدها كثير من الأحياء والقرى.
الأخوة
الفضلاء: لهذا كله فإننا نهيب بكم أن يستغلوا مناسبة العيد لعقد جلسة مع
أهل الحي بعد صلاة العصر -مثلاً - لا يفرق فيها بين غني وفقير, وصغير
وكبير, حتى على مستوى النساء ينبغي أن تجعل لهن جلسة أيضاً بحيث تشرف على
الجلسة بعض الداعيات؛ لتكون جلسة منظمة ومرتبة؛ يتم من خلالها معرفة أوضاع
الأسر اجتماعياً وصحياً واقتصادياً، ويتم على ضوء ذلك العمل رفع المستوى
الثقافي والاقتصادي والدعوي وغير ذلك مما ينفع الأمة.
ولتكون
الجلسة ليست مجرد جلوس رسمي ينبغي أن يوفر فيها شيء من المأكولات كالكيك،
وبعض العصيرات, وأن تكون جلسة مفتوحة يسمح فيها للجميع بالمشاركة بالرأي،
وطرح ما يراه من المشكلات, وطرح الحلول وهكذا؛ على أن تختتم مثل هذه الجلسة
بشيء من الترفيه بالمسابقة والطرفة ونحوها, ولا يُنسى أن يجعل للأطفال من
هذه الجلسة نصيب بإقامة مسابقة، أو إرسالهم إلى الملعب حتى يجدوا لذة
العيد، ويفرحون مع الكبار بمثل هذا اللقاء.
إخواني:
ينبغي
ألا نهمل هذا الجانب المفيد دعوياً واجتماعياً، وعلى الجميع أن يتجاوب
لمثل هذه الجلسات العيدية التي لا تكلفنا إلا الشيء اليسير, حتى يكون لسان
حالنا جميعاً كحال مشاعر هذا القائل: "تذكرت في صبيحة العيد وأنا أقبل
أولادي يتامى لا يجدون من يقبلهم، أو حتى يبتسم لهم، تذكرت في صبيحة العيد
وأنا مع زوجي أيامى لا يجدن حنان الزوج ورقته، تذكرت في صبيحة العيد ونحن
على الطعام الطيب، والشراب البارد؛ الجموع التي تموت من الجوع، تذكرت في
صبيحة العيد وأنا ألبس الجديد؛ ذلك الذي لا يجد ما يستر به عورته، وربما
غطى بالأوراق والجلود سوءته، تذكرت في صبيحة العيد وقد اجتمع شملنا وأنسنا
بآبائنا وأمهاتنا؛ إخواناً لنا شردتهم الحروب، لا راحة ولا استقرار، ولا
أمن ولا أمان، فعيدهم دموع وأحزان وذكريات وأشجان، جالت في خاطري هذه
الذكريات .. ومع ذلك لبست الجديد، وزرت القريب والبعيد، وأكلت وشربت،
وابتسمت ومازحت؛ لكن شعور الجسد الواحد وشعور الإخاء قوي في نفسي، لا
أنساهم في حديثي، وإن ضحكت تبدو مسحة الحزن على وجهي، يهيج بالدعاء لهم
لساني، وأحدث عنهم أهلي وجيراني، وفى صحيح مسلم: ((مَثَلُ
الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ
الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ
بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى))، ومن عمل صالحاً فلنفسه، ومن علت همته أتصف بكل جميل، ومن دنت همته اتصف بكل خلق رذيل".
وفق الله الجميع إلى كل خير, والحمد لله رب العالمين.
لكم أرق وأعذب الأمنيات السعيدة